بِسْمِ المَوْلُودِ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ مُبَشِّرًا لاسْمِهِ العَزِيزِ الوَدُودِ
لَوحٌ مِنْ لَدُنَّا إِلَى لَيلَةٍ فِيهَا لاَحَتِ السَّمُوَاتُ وَالأَرْضُ مِنْ نَيِّرٍ بِهِ أَنَارَ مَنْ فِي العَالَمِينَ. طُوبَى لَكِ بِمَا وُلِدَ فِيكِ يَوْمُ اللهِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ مِصْبَاحَ الفَلاَحِ لأَهْلِ مَدَائِنِ اَلأَسْمَاءِ وَأَقْدَاحَ النَّجَاحِ لِمَنْ فِي مَيَادِينِ البَقَاءِ ومَطْلِعَ الفَرَحِ وَالابْتِهَاجِ لِمَنْ فِي الإِنْشَاءِ تَعَالَى اللهُ فَاطِرُ السَّمَاءِ الَّذِي أَنْطَقَهُ بِهَذَا الاسْمِ الَّذِي بِهِ خُرِقَتْ حُجُبَاتُ المَوْهُومِ وِسُبُحَاتُ الظُّنُونِ، وَأَشْرَقَ اسْمُ القَيُّومِ مِنْ أُفُقِ اليَقِينِ. وَفِيهِ فُكَّ خَتْمُ رَحِيقِ الحَيَوَانِ وَفُتِحَ بَابُ العِلْمِ وَاَلبَيَانِ لِمَنْ فِي الإِمْكَانِ وَسَرَتْ نَسْمَةُ الرَّحْمنِ عَلَى البُلْدَانِ حَبَّذَا ذَاك الحِينُ الَّذِي فِيهِ ظَهَرَ كَنْزُ اللهِ المُقْتَدِرِ العَلِيمِ الحَكيمِ. أَنْ يَا مَلأَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ إِنَّهَا اللَّيْلَةُ الأُولَى قَدْ جَعَلَهَا اللهُ آيَةً لِلَّيْلَةِ الأُخْرَى الَّتِي فِيهَا وُلِدَ مَنْ لاَ يُعْرَفُ بِالأَذْكَارِ وَلا يُوصَفُ بِالأَوْصَافِ طُوبَى لِمَنْ تَفَكَّرَ فِيهِمَا إِنَّهُ يَرَى الظَّاهِرَ طِبْقَ البَاطِنِ وَيَطَّلِعُ بِأَسْرَارِ اللهِ فِي هَذَا الظُّهورِ الَّذِي بِهِ ارْتَعَدَتْ أرْكَانُ الشِّرْكِ وَانْصَعَقَتْ أَصْنَامُ الأَوْهَامِ وَارْتَفَعَتْ رَايَةُ إِنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ المُقتَدِرُ المُتَعَالِي الوَاحِدُ الفَرْدُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ المَنِيعُ. وَفِيهَا هَبَّتْ رَائِحَةُ الوِصَالِ وَفُتِحَتْ أَبوَابُ اللِّقَاءِ فِي المَآلِ ونَطَقَتِ الأَشْيَاءُ المُلْكُ للهِ مَالِكِ الأَسْمَاءِ الَّذِي أَتَى بِسُلْطَانٍ أَحَاطَ العَالَمِينَ. وَفِيهَا تَهَلَّلَ المَلأُ الأَعْلَى رَبَّهُمُ العَلِيَّ الأَبْهَى وَسَبَّحَتْ حَقَائِقُ الأَسْمَاءِ مَالِكَ الآخِرَةِ وَالأُولَى بِهذَا الظُّهُورِ الَّذِي بِهِ طَارَتِ الجِبَالُ إِلَى الغَنِيِّ المُتَعَالِ وَتَوَجَّهَتِ القُلُوبُ إِلَى وَجهِ المَحْبُوبِ وَتَحَرَّكَتِ الأَوْرَاقُ مِنْ أَرْيَاحِ الاشْتِيَاقِ وَنَادَتِ الأَشْجَارُ مِنْ جَذْبِ نِدَاءِ المُخْتَارِ وَاهتَزَّ العَالَمُ شَوْقًا لِلِقَاءِ مَالِكِ القِدَمِ وَبُدِعَتِ الأَشْيَاءُ مِنَ الكَلِمَةِ المَخْزُونَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ بِهَذَا الاسْمِ العَظِيمِ. أَنْ يَا لَيْلَةَ الوَهَّابِ قَدْ نَرَى فِيكِ أُمَّ الكِتَابِ أَإِنَّه مَوْلُودُ أَمْ كِتَابِ، لا وَنَفْسِي كُلُّ ذَلِكَ فِي مَقَامِ الأَسْمَاءِ قَدْ جَعَلَهُ اللهُ مُقَدَّسًا عَنْهَا، بِهِ ظَهَرَ الغَيْبُ المَكْنُونُ وَالسِّرُّ المَخْزُونُ، لا وَعَمْرِيَ كُلُّ ذَلِك يُذْكَرُ فِي مَقَامِ الصِّفاتِ وَإِنَّهُ لَسُلْطَانُهَا بِهِ ظَهَرَ مَظَاهِرُ لا قَبْلَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ طُوبَى لِلْمُوقِنِينَ إِذًا انْصَعَقَ القَلَمُ الأَعْلَى ويَقُولُ: يَا مَنْ لاَ تُذْكَرُ بِالأَسْمَاءِ فَاعْفُ عَنِّي بِسُلْطَانِكَ المُهَيْمِنِ عَلَى الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ لأَنِّي خُلِقْتُ بإِبدَاعِكَ كَيفَ أَقْدِرُ أَنْ أَذْكُرَ مَا لاَ يُذْكَرُ بِالإِبْدَاعِ مَعَ ذَلِك وَعِزَّتِكَ لَو أَذْكُرُ مَا أَلْهَمْتَنِي لَيَنْعَدِمَنَّ المُمْكِنَاتُ مِنْ الفَرَحِ وَالابْتِهَاجِ فَكَيْفَ تَمَوُّجَاتُ بَحْرِ بَيَانِكَ فِي هذَا المَقَامِ الأَسْنَى وَالمَقَرِّ الأَعْلَى الأَقْصَى. أَيْ رَبِّ، فَاعْفُ هَذَا القَلَمَ الأَبْكَمَ عَنْ ذِكْرِ هَذَا المَقَامِ الأَعْظَمِ ثُمَّ ارْحَمنِي يَا مَالِكِي وَسُلْطَانِي وَتَجَاوَزْ عَنِّي بِمَا اجْتَرَحْتُ بَيْنَ يَدَيْكَ. إِنَّكَ أَنْتَ المُعْطِي المُقْتَدِرُ الغَفُورُ الكَرِيمُ.
-حضرة بهاء الله